نَقمتُ الرّضَى حتى على ضاحكِ المُزْنِ
فلا جادَني إلا عَبوسٌ منَ الدَّجنِ
فَلَيتَ فَمي إن شامَ سِنّي تبَسُّمي
فمُ الطّعنةِ النّجْلاءِ تَدْمى بلا سِنِّ
كأنّ ثَناياهُ أوَانِسُ يُبْتَغَى
لها حُسنُ ذِكْرٍ بالصّيانةِ والسّجنِ
أبي حَكَمَتْ فيهِ اللّيالي ولم تَزَلْ
رِماحُ المَنايا قادِراتٍ على الطّعنِ
مضَى طاهر الجثمان والنّفس والكرَى
وسُهدِ المنى والجَيبِ والذيلِ والرُّدنِ
فيا لَيتَ شِعري هل يَخِفّ وَقارُهُ
إذا صَارَ أُحْدٌ في القِيامَةِ كالعِهْنِ
وهلْ يرِدُ الحوْضَ الرّويَّ مُبادِراً
معَ النّاسِ أمْ يأبَى الزّحامَ فَيَستأني
حِجىً زادَهُ من جُرْأةٍ وسَماحةِ
وبعضُ الحجى داعٍ إلى البخلِ والجُبنِ
على أُمّ دَفْرٍ غَضْبَةُ اللّهِ انّها
لأجْدَرُ أُنْثَى أنْ تَخونَ وأن تُخني
كَعابٌ دُجاها فَرْعُها ونَهارُها
مُحيّاً لها قامتْ له الشمسُ بالحُسنِ
رآها سليلُ الطّينِ والشّيبُ شامِلٌ
لها بالثّرَيّا والسّماكَينِ والوَزْنِ
زمانَ تَوَلّتْ وأدَ حَوّاءَ بِنتِها
وكم وأدَتْ في إثْرِ حَوّاء مِن قَرْنِ
كأنّ بنيها يُولَدونَ وما لهَا
حليلٌ فتخشَى العارَ إن سَمحتْ بابْنِ
جَهِلْنا فلم نَعلمْ على الحِرْص ما الذي
يُرادُ بنا والعِلْمُ للّهِ ذي المَنِّ
إذا غُيّبَ المَرْءُ استَسَر حَديثُهُ
ولم تُخْبِرِ الأفكارُ عَنْهُ بما يُغْني
تَضِلّ العُقولُ الهِبْرِزِيّاتُ رُشْدَها
ولم يَسلَمِ الرّأيُ القويُّ من الأفْنِ
وقد كانَ أربابُ الفَصاحَةِ كُلّما
رأوا حَسَناً عَدّوهُ من صَنعةِ الجنِّ
وما قارَنتْ شخصاً من الخلقِ ساعةً
منَ الدّهرِ إلا وَهيَ أَفْتَكُ من قِرْنِ
وَجَدْنا أذى الدّنيا لَذيذاً كأنّما
جَنى النّحلِ أصنافُ الشّقاء الذي نجني
فما رَغبتْ في الموْتِ كُدرٌ مَسيرُها
إلى الوِرْدِ خِمسٌ ثم يَشرَبنَ من أَجنِ
يُصادِفنَ صَقراً كلَّ يوْم وَلَيْلَةٍ
وَيَلْقَيْن شَرّاً مِن مَخالبِهِ الحُجنِ
ولا قَلِقاتُ اللّيلِ باتَت كأنّها
من الأينِ والإدلاجِ بعضُ القنا اللُّدنِ
ضَرَبْنَ مَليعاً بالسّنابكِ أرْبَعاً
إلى الماء لا يَقدِرْنَ منهُ على مَعْنِ
وخوْفُ الرّدى آوَى إلى الكَهفِ أهلَهُ
وكَلّفَ نوحاً وابنَهُ عَمَلَ السّفنِ
وما استَعذَبَتهُ روحُ موسى وآدَمٍ
وقد وُعِدا من بعدِه جَنَّتَيْ عَدْنِ
أمَوْلى القَوافي كم أراكَ انْقِيادُها
لك الفُصَحَاءَ العُرْبَ كالعَجم اللُّكنِ
هَنيئاً لكَ البيتُ الجَديدُ مُوَسِّداً
يَمينَكَ فيهِ بالسّعادةِ واليُمْنِ
مُجاوِرَ سَكْنٍ في دِيارٍ بَعيدَةٍ
من الحيّ سَقياً للدّيار وللسَّكنِ
طَلَبتُ يَقيناً مِنْ جُهَيْنَةَ عنهُمُ
ولن تخبريني يا جُهينَ سوَى الظّنِّ
فإنْ تَعْهَديني لا أزالُ مُسائِلاً
فإنّيَ لم أُعْطَ الصّحيحَ فأستَغني
وإنْ لم يَكُنْ للفَضْلِ ثَمّ مَزِيّةٌ
على النّقص فالوَيلُ الطويلُ من الغَبنِ
أمُرّ بِرَبْعٍ كُنْتَ فيهِ كأنّمَا
أمُرّ منَ الإكرامِ بالحِجرِ والرُّكْنِ
وإجْلالُ مَغْناكَ اجتِهادُ مُقَصِّرٍ
إذا السّيفُ أوْدى فالعفاءُ على الجَفْنِ
لقد مَسَخَتْ قلبي وفاتُكَ طائراً
فأقْسَمَ أنْ لا يَسْتَقِرّ على وَكْنِ
يُقْضّي بَقايا عَيْشِهِ وجَناحُهُ
حَثيثُ الدّواعي في الإقامةِ والظّعنِ
كأنّ دُعاء الموتِ باسْمِكَ نَكْزَةٌ
فَرَتْ جَسَدي والسّمُّ يُنفثُ في أُذني
تَئنّ ونَصْبي في أنينِكَ واجِبٌ
كما وَجَبَ النّصْبُ اعترافاً على إنِّ
ضَعُفْتَ عن الإصْباحِ واللّيلُ ذاهبٌ
كما فَنيَ المِصْباحُ في آخرِ الوَهْنِ
وما أكثرَ المُثني علَيكَ ديانَةً
لو أنَّ حِماماً كانَ يَثنيهِ مَن يُثني
يوافيكَ من ربّ العُلى الصّدقُ بالرّضَى
بَشيراً وتلقاكَ الأمانَةُ بالأمْنِ
ويَسكْني شهيدُ المَرْءِ غيرِكَ هَيْبَةً
وبُقْيا وإنْ يُسألْ شهيدُكَ لا يكني
يُصَرِّحْ بقَوْلٍ دونَهُ المِسكُ نَفحةً
وفِعْلٍ كأمْواهِ الجِنانِ بِلا أَسْنِ
يَدٌ يَدَتِ الحُسْنى وأنفاسُ رَبّها
تُقىً ولسانٌ ما تحرّكَ باللَّسْنِ
فليتَكَ في جَفني مُوارىً نَزاهَةً
بِتِلْكَ السّجايا عن حَشايَ وعن ضِبني
ولو حَفَرُوا في دُرّةٍ ما رَضِيتُها
لجِسْمِكَ إبْقاءً عَلَيْهِ منَ الدّفنِ
ولو أوْدَعُوكَ الجوّ خِفْنا مَصيفَهُ
ومَشتاهُ وازدادَ الضّنينُ منَ الضّنِّ
فيا قبرُ واهٍ مِنْ تُرابكَ لَيّناً
علَيهِ وآهٍ مِنْ جنادِلِكَ الخُشنِ
لأُطبِقتَ إطباقَ المَحارَةِ فاحتَفِظْ
بلؤلؤةِ المَجْدِ الحَقيقَةِ بالخزْنِ
فهلِ أنتَ إن ناديتُ رَمسكَ سامِعٌ
نداءَ ابنِكَ المَفجوعِ بل عبدِكَ القِنِّ
سأبكي إذا غنّى ابنُ وَرْقاءَ بَهجةً
وإن كانَ ما يَعنيهِ ضِدَّ الذي أعْني
ونادِبَةٌ في مِسْمَعي كُلُّ قَيْنَةٍ
تُغَرَدُ باللّحْنِ البَرِيّ عن اللّحنِ
وأحمِلُ فيكَ الحُزْنَ حَيّاً فإن أمُتْ
وألقَكَ لم أسلُكْ طرِيقاً إلى الحُزْنِ
وبَعدَكَ لا يَهوى الفُؤادُ مَسَرّةً
وإن خانَ في وَصْلِ السّرورِ فلا يَهني
قصيدة نقمت الرضى حتى على ضاحك المزن لـ أَبو العَلاء المَعَرِي وهو من شعراء العصر العباسي تتكون من 53 بيت شعري .
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن [محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان] بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنور بن اسحم بن النعمان، ويقال له الساطع لجماله، ابن عديّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وتيم الله مجتمع تنوخ: من أهل معرة النعمان من بلاد الشام، كان غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم، عالما حاذقا بالنحو، جيد الشعر جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته وفضله ينطق بسجيته.
ولد بمعرة النعمان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واعتل بالجدري التي ذهب فيها بصره سنة سبع وستين وثلاثمائة وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة أقام ببغداد سنة وسبعة أشهر ثم رجع إلى بلده فأقام ولزم منزله إلى أن مات يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة في أيام القائم.
المصدر: معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب - ياقوت الحموي
أبو العَلاء المعريّ (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمدُ بن عبَد الله بن سُلَيمان القضاعي التَنوخي المَعِري، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، وغيرها من المدن الشامية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.
كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي" وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة"
وكتب إلى خاله أبي القاسم قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجعلني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد" وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"
عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.
وقد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف الدكتور طه حسين بعنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء".
المصدر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة - أبو العلاء المعري
جارانِ شاكٍ وَمَسرورٌ بِحالَتِهِ كَالغَيثِ يَبكي وَفيهِ بارِقٌ بَسَما مالُ الدَف ...
أَرى اللُبَّ مِرآةَ اللَبيبِ وَمَن يَكُن مَرائِيَّهُ الإِخوانُ يَصدُق وَيَكذِبِ ...
أَرمى وَجَدِّكَ مِن رامي بَني ثُعَلٍ حَتفٌ لَدَيهِ إِزاءُ الحَوضِ وَالعُقُرُ يَغ ...
تَجاوَزَت عَنِيَّ الأَقدارُ ذاهِبَةً فَقَد تَأَبَّدتُ حَتّى مَلَّني الأَبَدُ وَل ...
أَعجِل بِتَسبيحِ رَبٍّ لا كِفاءَ لَهُ أَو رَتِّلَنهُ وَلا تَجنَح إِلى رَتِلِ وَل ...
ما يَفتَأُ المَرءُ وَالأَبرادُ يُخلِقُها بِاللُبسِ عَصراً إِلى أَن يَلبَسَ الكِب ...