يا ساهِرَ البَرْقِ أيقِظْ راقِدَ السَّمُرِ
لعَلّ بالجِزْعِ أعواناً على السّهَرِ
وإنْ بخِلْتَ عن الأحياء كلّهمِ
فاسْقِ المَواطِرَ حَيّاً من بَني مَطَرِ
ويا أسيرةَ حِجْلَيْها أرى سَفَهاً
حَمْلَ الحُلِيّ لمَنْ أعْيا عن النّظَرِ
ما سِرْتُ إلا وطَيْفٌ منكِ يصْحَبُني
سُرىً أمامي وتأوِيباً على أثري
لو حَطّ رَحْليَ فَوْقَ النجْمِ رافِعُه
وجَدتُ ثَمّ خَيالاً منكِ مُنتظِري
يَوَدّ أنّ ظَلامَ اللّيْلِ دامَ له
وزِيدَ فيهِ سَوَادُ القَلْبِ والبَصَرِ
لو اخْتَصَرْتم من الإحسانِ زُرْتُكمُ
والعَذْبُ يُهْجَرُ للإفراطِ في الخَصَرِ
أبَعْدَ حَوْلٍ تُناجي الشّوْق نَاجيةٌ
هَلاّ ونحنُ على عَشْرٍ من العُشَرِ
كم باتَ حوْلَكِ من ريمٍ وجازِيَةٍ
يَستَجدِيانِكِ حُسْنَ الدّلّ والحَوَرِ
فما وَهبْتِ الذي يَعرِفنَ مِن خِلَقٍ
لكن سمَحتِ بما يُنْكِرْنَ من دُرَرِ
وما تَركْتِ بذاتِ الضّالِ عاطِلَةً
من الظّباء ولا عَارٍ من البَقَرِ
قَلّدْتِ كلّ مَهاةٍ عِقْدَ غانيَةٍ
وفُزْتِ بالشّكْرِ في الآرامِ والعُفُرِ
ورُبّ ساحِبِ وَشْيٍ مِنْ جآذِرِهَا
وكان يَرْفُلُ في ثَوْبٍ من الوَبَرِ
حسّنْتِ نَظْمَ كلامٍ تُوصَفينَ به
ومَنْزِلاً بكِ مَعْموراً من الخَفَرِ
فالحُسنُ يَظهرُ في شيئين رَوْنقُه
بيتٍ من الشِّعْرِ أو بيْتٍ من الشّعَرِ
أقولُ والوحْشُ تَرْميني بأعْيُنِها
والطّيرُ تَعجَبُ منّي كيفَ لم أطِرِ
لمُشْمَعِلّيْنِ كالسّيْفَين تحتَهما
مثلُ القَناتَين من أينٍ ومِن ضُمُرِ
في بَلدةٍ مثْلِ ظَهْرِ الظّبْيِ بِتُّ بها
كأنّني فوقَ رَوْقِ الظّبْي مِن حَذَرِ
لا تَطْوِيا السّرّ عنّي يَومَ نائبةٍ
فإنّ ذلك ذَنْبٌ غيرُ مُغْتَفَرِ
والخِلُّ كالماء يُبْدي لي ضمائرَه
مع الصّفاء ويُخْفيها مع الكَدَرِ
يا رَوّعَ الله سَوْطي كم أرُوعُ به
فُؤادَ وجْنَاءَ مثلَ الطائرِ الحَذِرِ
باهَتْ بمَهْرَةَ عدناناً فقلتُ لها
لولا الفُصَيْصِيّ كان المجدُ في مُضَرِ
وقد تَبَيّنَ قَدْري أن معرِفَتي
مَن تَعلَمينَ ستُرْضيني عن القَدَرِ
القاتِلُ المحْل إذ تبْدو السماءُ لنا
كأنها من نَجيعِ الجَدْبِ في أُزُرِ
وقاسِمُ الجُودِ في عالٍ ومنخفِضٍ
كقِسْمةِ الغيثِ بين النّجم والشَجَرِ
ولو تَقَدّمَ في عَصر مضى نزلَتْ
في وَصْفِهِ مُعْجِزاتُ الآيِ والسَوَرِ
يُبينُ بالبِشْر عن إحْسان مصطنع
كالسّيْفِ دَلّ على التّأثيرِ بالأثَرِ
فلا يَغُرّنْكَ بِشْرٌ مِن سِواه بَدا
ولو أنار فكمْ نَوْرٍ بلا ثَمَرِ
يا ابن الأولى غيرَ زَجْرِ الخيلِ ما عرَفوا
إذ تَعرِفُ العُرْبُ زَجرَ الشاء والعَكَرِ
والقائِديهَا مع الأضيافِ تتْبعُها
أُلاّفُها وأُلوفُ اللأمِ والبِدَرِ
جَمالَ ذي الأرض كانوا في الحياة وهُم
بعدَ المماتِ جَمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ
وافَقْتَهُمْ في اختلافٍ من زَمانكمُ
والبَدرُ في الوهْنِ مثلُ البدرِ في السّحرِ
المُوقِدُونَ بنجْدٍ نارَ باديَةٍ
لا يَحضُرونَ وفَقْدُ العِزّ في الحَضَرِ
إذا هَمَى القَطْرُ شَبَتْها عَبيدُهمُ
تحتَ الغَمائم للسّارين بالقُطُرِ
مِن كُلّ أزْهَرَ لم تَأشَرْ ضَمائِرُهُ
لِلَثْمِ خدّ ولا تقْبِيلِ ذي أُشُرِ
لكنْ يُقْبّلُ فُوهُ سامعَيْ فَرَسٍ
مقابلَ الخَلْقِ بينَ الشمْسِ والقَمَرِ
كأنّ أُذْنَيْه أعطَتْ قلبَه خبَراً
عنِ السماءِ بما يلقى من الغِيَرِ
يُحِسّ وطءَ الرّزايا وهْيَ نازلةٌ
فيُنْهِبُ الجرْيَ نفْسَ الحادثِ المَكِرِ
مِن الجِيادِ اللّواتي كان عَوّدَها
بنُو الفُصَيصِ لقاء الطعن بالثُّغَرِ
تغْنى عن الوِرْدِ إنْ سلّوا صَوارِمَهُمْ
أمامَها لاشْتِباهِ البِيضِ بالغُدُرِ
أعاذَ مجْدَكَ عبْدَ اللهِ خالقُه
من أعْينِ الشّهْبِ لا من أعْينِ البَشَرِ
فالعَيْنُ يَسْلَمُ منها ما رأتْ فنبَتْ
عنه وتَلْحَقُ ما تَهْوَى من الصّورِ
فكم فريسةِ ضِرْغامٍ ظفِرْتَ بها
فحُزْتَها وهْيَ بيْنَ النّابِ والظُّفُرِ
ماجَتْ نُمَيرٌ فهاجَتْ منكَ ذا لِبَدٍ
واللّيْثُ أفْتَكُ أفعالاً من النّمِرِ
همّوا فأمّوا فلمّا شارفوا وقَفوا
كوِقْفَةِ العَيْرِ بين الوِرْدِ والصّدَرِ
وأضعفَ الرّعْبُ أيدِيهِم فطعْنُهُمُ
بالسّمهرِيّةِ دُونَ الوَخْزِ بالإبَرِ
تُلقي الغواني حفيظَ الدُّر من جَزَعٍ
عنها وتُلْقي الرّجالُ السَّرْدَ من خَوَرِ
فكم دِلاصٍ على البطحاء ساقطةٍ
وكم جُمانٍ مع الحَصْباءِ مُنْتَثِرِ
دعِ اليَرَاعَ لِقَوْمٍ يَفخرونَ به
وبالطّوَالِ الرّديْنيّات فافتَخرِ
فهُنّ أقلامُكَ اللاتي إذا كتبَتْ
مجْداً أتَتْ بمِدادٍ من دمٍ هَدَرِ
وكُلِّ أبيضَ هنديٍّ به شُطَبٌ
مثْلُ التّكسّرِ في جارٍ بمنْحَدرِ
تَغَايَرَتْ فيه أرواحٌ تمُوتُ به
من الضَرَاغِمِ والفُرْسانِ والجُزُرِ
رَوْضُ المَنايا على أنّ الدّماءَ به
وإنْ تَخَالَفْنَ أبْدالٌ من الزّهرِ
ما كنْتُ أحسَبُ جَفْناً قبل مسْكنِه
في الجفْنِ يُطْوَى على نارٍ ولا نَهَرِ
ولا ظَنَنْتُ صِغارَ النّمْلِ يُمكِنُها
مَشْيٌ على اللُّجّ أو سَعْيٌ على السُّعُرِ
قالت عُداتُك ليس المجدُ مُكتسَباً
مقالةَ الهُجن ليس السّبْقُ بالحُضُرِ
رأوْك بالعَينِ فاسْتَغْوَتْهُمُ ظِنَنٌ
ولم يَرَوْكَ بفِكْرٍ صادِقِ الخَبَرِ
والنّجْمُ تستصْغِرُ الأبصارُ صورتَه
والذنْبُ للطَّرْفِ لا للنجمِ في الصّغَرِ
يا غيْثَ فَهْمِ ذَوي الأفهام إِن سَدِرَتْ
إبْلي فمرْآك يَشْفِيها من السَّدَرِ
والمَرْءُ ما لم تُفِدْ نَفْعاً إقامتُه
غَيْمٌ حَمَى الشمسَ لم يُمْطِرْ ولم يَسِرِ
فزانَها اللهُ أن لاقتْكَ زِينتَه
بَناتِ أَعْوَجَ بالأحْجالِ والغُرَرِ
أفْنَى قُواها قليلُ السّيرِ تُدْمِنُهُ
والغَمْرُ يُفنِيه طولُ الغَرْفِ بالغُمَرِ
حتى سطَرْنا بها البَيْداءَ عن عُرُضٍ
وكلُّ وَجْناءَ مثْلُ النّونِ في السَّطَرِ
علُوْتُمُ فتواضَعْتُمْ على ثِقَةٍ
لمّا تَوَاضَعَ أقْوامٌ على غَرَرِ
والكِبْرُ والحمْدُ ضِدّانِ اتّفاقُهما
مثْلُ اتّفاقِ فَتَاءِ السّنّ والكِبَرِ
يُجْنَى تَزَايُدُ هذا من تَناقُضِ ذا
والليلُ إنْ طالَ غالَ اليومَ بالقِصَرِ
خَفّ الوَرى وأقرّتْكمْ حُلُومُكُمُ
والجَمْرُ تُعْدَمُ فيه خِفّةُ الشّرَرِ
وأنْتَ مَنْ لو رأى الإنسانُ طَلْعَتَه
في النّوْم لم يُمْسِ من خَطْبٍ على خَطَرِ
وعَبْدُ غيْرِكَ مضْرُورٌ بخِدْمَتِهِ
كالغِمْدِ يُبْليه صَوْنُ الصّارِمِ الذّكَرِ
لولا قُدومُكَ قبْلَ النّحْرِ أخّرَهُ
إلى قدومِك أهْلُ النفْعِ والضّرَرِ
سافَرْتَ عنّا فظَلّ النّاسُ كلّهُمُ
يُراقبونَ إيابَ العِيدِ مِن سَفَرِ
لوْ غِبْتَ شَهْرَكَ موْصُولاً بتابِعِه
وأبْتَ لانْتقلَ الأضْحَى إلى صَفَرِ
فاسْعَدْ بمَجْدٍ ويوْمٍ إذ سَلِمتَ لنا
فما يَزيدُ على أيّامِنا الأُخَرِ
ولا تَزَلْ لكَ أَزمانٌ ممَتِّعَةٌ
بالآلِ والحالِ والعَلياءِ والعُمُرِ
قصيدة يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر لـ أَبو العَلاء المَعَرِي وهو من شعراء العصر العباسي تتكون من 74 بيت شعري .
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن [محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان] بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنور بن اسحم بن النعمان، ويقال له الساطع لجماله، ابن عديّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وتيم الله مجتمع تنوخ: من أهل معرة النعمان من بلاد الشام، كان غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم، عالما حاذقا بالنحو، جيد الشعر جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته وفضله ينطق بسجيته.
ولد بمعرة النعمان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واعتل بالجدري التي ذهب فيها بصره سنة سبع وستين وثلاثمائة وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة أقام ببغداد سنة وسبعة أشهر ثم رجع إلى بلده فأقام ولزم منزله إلى أن مات يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة في أيام القائم.
المصدر: معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب - ياقوت الحموي
أبو العَلاء المعريّ (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمدُ بن عبَد الله بن سُلَيمان القضاعي التَنوخي المَعِري، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، وغيرها من المدن الشامية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.
كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي" وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة"
وكتب إلى خاله أبي القاسم قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجعلني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد" وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"
عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.
وقد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف الدكتور طه حسين بعنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء".
المصدر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة - أبو العلاء المعري
لِله أيّامُنا المَواضي لو أنّ شيئاً مَضى يَعودُ أبْلى وِدادي لكمْ زَمانٌ ألْيَنُ ...
صَفَرِيٌّ مِن بَعدِه رَجَبِيُّ فَاِنظُرَن أَينَ جادَ ذاكَ الحَبِيُّ زَعَمَت أَنّ ...
أَيَعلَمُ نَجمُ طارِقٍ بِرَزِيَّةٍ مِنَ الدَهرِ أَم لا هَمَّ لِلإِنسِ طارِقُه وَ ...
حَوائِجُ نَفسي كَالغَواني قَصائِرٌ وَحاجاتُ غَيري كَالنِساءِ الرَدائِد إِذا أَغض ...
أرَحْتِني فأرحْتُ الضُّمَّرَ القُودا والعَجْزَ كان طِلابي عندكِ الجُودا وقد أنِس ...
يا قَلبِ لا أَدعوكَ في أَكرومَةٍ إِلّا تَقاعَسُ دونَها وَتَباطا وَالمَوتُ حاسٍ م ...