يرُومُكَ والجوْزَاءُ دون مَرامِه
عَدُوٌّ يَعيبُ البَدْرَ عند تمامِهِ
فإن يكُ أضْحى القوْلُ جَمّاً طيورُهُ
فما تَسْتَوي عِقْبانُه بحَمامهِ
وإن يَكُ وادينا من الشِّعْرِ نَبْتُهُ
فغيْرُ خفِيّ أثْلُهُ من ثُمامهِ
وليس بجازٍ حقَّ شُكْرِكَ مُنْعِمٌ
ولو جعل الدّنيا قضاءَ زِمامهِ
فلا تُلْزِمَنّي مِن مديحكَ مَنْطِقاً
يُقَصّرُ فِكري عن بُلوغِ التِزامهِ
حَلَلْتَ من العَلْياءِ صَهْوَةَ باذِخٍ
تَوَدّ الضّواري أنها من بِهامهِ
إذا افتخرَ المَسكُ الذكيّ فإنما
يقولُ ادّعاءً إنّه مِن رَغامِهِ
إذا ما طَريدُ العُصْمِ وافى حَضِيضَه
تَبَوّأ فيهِ واثقاً باعتصامِهِ
مَنازِلُ لو رُدّ الحِمامُ بعِزّةٍ
لمَا رِيعَ مَن يحْتَلّها مِن حِمامهِ
إذا أطْلَقَتْ كفّاكَ عارِضَ عسْجدٍ
على سائِلٍ لم تَرْضَيا برِهامِهِ
غَمامَانِ مُبْيَضّانِ مُنْذُ بَراهُما
لنا اللّهُ لم نَحْفِلْ بسُودِ غَمامهِ
كأنّكَ حَوْضُ المُزْنِ طأطأ نفْسه
إلى وِرْدِهِ حتى ارْتَوى مِن سِجامهِ
كأنك دُرّ البحْرِ أصبحَ طافِياً
على الماء فاعْتامَ الوَرَى من تُؤامِهِ
كأنك رُكْنُ البيتِ أُعطيَ قُدْرَةً
فَسَارَ إلى زُوّارِهِ لاسْتِلامِهِ
أفَدْتَ جَزيلَ المالِ لمّا اسْتَفَدْتَه
وحكّمْتَ فيه الدهرَ قبْل احتِكامِهِ
ولو نال ذو القرْنينِ ما نِلْتَ من غِنًى
بَنى السّدَّ من ذَوْبِ النُّضَارِ وَسامِهِ
وهلْ يَذْخَرُ الضّرْغامُ قوتاً ليَوْمهِ
إذا ادّخَرَ النّمْلُ الطّعامَ لعامهِ
وكم بلَدٍ فارقْتُه مُتَلَهِّماً
عليكَ غَداةَ البيْنِ قلْبُ هُمامهِ
يَكادُ نسيمُ الرّيحِ مِن نحوِ أرضِهِ
يُخَبّرُنا عن وَجْدِهِ وغرامهِ
جَوادٌ يفوتُ الخيْلَ من بَعد ما وَنَى
فكيْفَ يُجارى بعدَ طُولِ جِمامهِ
هِزَبْرٌ تظلّ الأُسْدُ مِن غُرّ قَوْمِهِ
تَحُفّ به من خلْفه وأمامهِ
بَنُو الجلَباتِ الباعِثونَ من النّدى
سَرَاياهُ والغازُون وَسْطَ لُهامهِ
وهلْ يَدّعي اللّيْلُ الدَّجُوجيُّ أنه
يُضيءُ ضِياء الشمسِ شُهْبُ ظلامهِ
وما كان يُغني القِرْنَ عن حملِ سيفه
إذا الحَرْبُ شُبّتْ كَثْرةٌ من سِهامهِ
ولا يُدرِكُ العُرْبَ الهَجينُ بجُلّهِ
ولا حَلْيِه في سَرْجِه ولِجامهِ
ومَن يَبْلُ مِن قبْلِ اللّقاءِ سيوفَه
يُميِّزْ ويعْرِفْ عَضْبَهُ مِن كَهامِهِ
ولولا سَعِيدٌ باتَ نَدمانَ كَوْكَبٍ
يُريقُ له في الأرْضِ شطْرَ مُدامهِ
وكانتْ بَقايا نَعْمةٍ عَضُدِيّةٍ
تَرُدّ إلى الزّوْراء بَعضَ اهتِمامِهِ
سَرَى نحْوَه والصّبْحُ مَيْتٌ كأنما
يُسائِلُ بالوَخْدِ الثّرى عن رِمامهِ
ونكّبَ إلاّ عن قُوَيْقٍ كأنّهُ
يظُنّ سِواهُ زائداً في أُوامِهِ
بعِيسٍ تَجُوبُ الدهرَ جوناً كأنها
مُفتّشَةٌ أحْشاءه عن كِرامِهِ
خِفافٍ يُباهي كلُّ هَجْلٍ هَبَطْنَه
بهِنّ على العِلاّتِ رُبْدَ نَعامهِ
إذا أرْزَمَتْ فيه المَهاري ولم يُجِبْ
حُوَارٌ أجابَتْ عنه أصداءُ هامهِ
ولو وَطِئَتْ في سيرِها جَفْنَ نائمٍ
بأخْفافِها لم يَنْتَبِهْ من مَنامهِ
وكُلِّ وَجِيهِيّ كأنّ رُؤالَه
تحَدّرَ من عِطْفَيْهِ فوْقَ حِزامِهِ
وأعْيَسَ لو وافى به خُرْقَ مِخْيَطٍ
لأنْفَذَهُ من ضُمْرِهِ وانضِمامهِ
يُراقبُ ضَوْءَ الصّبْحِ من كلّ مَطلَعٍ
ولا ضَوْء إلاّ ما بدا مِن لُغامهِ
تَذكّرْنَ من ماءِ العواصِمِ شَرْبَةً
وزُرْقُ العَوالي دونَ زُرْقِ جِمامهِ
فلو نَطَقَ الماءُ النّميرُ مُسَلِّماً
عليْهِنّ لم يَرْدُدْنَ رَجْعَ سَلامهِ
ومُلْتَثِمٍ بالغَلْفَقِ الجَعْدِ عَرّستْ
عليه فلم تَكْشِفْ خَفِيَّ لِثَامهِ
وكم بينَ رِيفِ الشأم والكَرْخِ مَنْهَلاً
مَوارِدُهُ ممزوجةٌ بسِمامهِ
كأنّ الصَّبا فيه تُراقِبُ كامِناً
يثُورُ إليها من خِلالِ إكامهِ
يمُرّ بهِ رَأدُ الضّحَى مُتنكّراً
مَخافَةَ أن يَغْتَالَه بقَتامِهِ
نَهَارٌ كأنّ البدْرَ قاسى هجِيرَه
فعادَ بلوْنٍ شاحِبٍ من سَهامهِ
بلادٌ يَضِلّ النّجْمُ فيها سبيلَه
وتُثْني دُجاها طيْفَها عن لِمامهِ
حَنادسُ تُعشي الموْتَ لولا انجِيابُها
عن المرْء ما هَمّ الرّدى باخْتِرامِهِ
رَجا اللّيْلُ فيها أن يدومَ شبابُه
فلمّا رآها شابَ قبلَ احْتِلامِهِ
فأنْضَى علِيٌّ خيْلَه ورِكابَهُ
ولم يأتِ إلاّ فوْقَ اعْتِزامهِ
تَشُقّ عُقَيْلاً وهْيَ خُزْرٌ عُيونُها
بكلّ كميّ رِزْقُه من حُسامِهِ
ولاقَى دُوَيْنَ الوِرْدِ كلَّ مُغَيَّبٍ
عنِ الرّشْدِ يَقْتادُ الخَنا بزِمامهِ
أشَدُّ الرّزايا عندَهُ عَقْرُ نابِهِ
وأبْعَدُ شيءٍ ضَيْفُه مِن طَعامِهِ
أخو طمَعٍ لا يَنزِلُ الرّكْبُ أرضَه
فيَرْحَلُ إلا مُوقَراً مِن مَلامهِ
إذا أعرَضَتْ نارُ الحُباحِبِ في الدّجَى
سعَى قابِساً من نارِها بضِرامهِ
وإنْ ضُرِبَتْ أطْنابُه بتَنُوفَةٍ
نَأى الضّبُّ عنها خِيفَةً من عُرامهِ
إذا هِيضَ عظمُ البَكْرِ وَدّ لو أنّه
فَداهُ من الإعْناتِ بعضُ عِظامهِ
وما نَغَمُ الأوْتارِ في سمْعِ أُذْنِهِ
بأحْسَنَ صَوْتاً مِن رُغاء سَوامهِ
فيا رَبّ لا يَمْرُرْ بدارٍ يحُلّها
من المُزْنِ إلا خالِياتُ جَهامهِ
وإن كان غَيْثٌ فاعْدُهُ عن بلادهِ
وإن كان موْتٌ فاسْقِها من زُؤامهِ
ولولا احتِقارٌ من عَلِيّ بشانه
لسَلّ عليه الذّمُّ سيْفَ انتِقامهِ
هوَ الشّهْدُ مَجّتْه الخُطوبُ مرَارَةً
وقد فَغَرَتْ أفْواهَها لالتِهامهِ
تَهابُ الأعادي بأسَه وهْوَ ساكِنٌ
كما هِيبَ مَسُّ الجَمْرِ قبل اضطرامهِ
ورُبّ جُرازٍ يُتّقَى وهْوَ مُغْمَدٌ
ولُجٍّ تُهالُ النفْسُ دون اقتِحامِهِ
إذا ضَحِكَتْ عُجْباً به كلُّ بلْدةٍ
بكَى مالُه مِنْ ظُلْمِهِ واهتِضامِهِ
تَحَفّظَ منه خِيفَةً من رَحِيلِهِ
وكم مال مَلْكٍ ضاعَ تحتَ خِتامِهِ
وذامَتْهُ أفْناءُ العِراقِ وإنّما
تَرَحُّلُهُ عنهُنّ أكبَرُ ذامهِ
فكان الصّبا إذْ لم يَجِدْ فيه عائِبٌ
مَقالاً لخَلْقٍ عابَهُ بانصِرامهِ
ولو أنّ بَغْدادَ استطاعَتْ لأشّبَتْ
عليه الثّنايا رغْبَةً في مُقامهِ
متى يَحْبِسِ الدّجْنُ المُطبِّقُ بارِقاً
يَجُبْهُ ويخْرُجْ ساطعاً من رُكامهِ
علَيّ لأمْلاكِ البِلادِ نَصِيحَةٌ
يقُومُ بها ذو حِسْبَةٍ في قِيامِهِ
أخُصّ بها من كُلّ حَيّ عَمِيدَهُ
وأصْرِفُها مُسْتكبِراً عن طَغامهِ
بأنّ علِيّاً كلُّ مَن فازَ بالغِنى
فقِيرٌ إذا لم يَدّخِرْ مِن كلامِهِ
سنَنْتُ لأرْبابِ القَريضِ امتداحَه
كما سَنّ إبراهيمُ حَجَّ مَقامهِ
فيُثْني عليه ضَيْغَمٌ بزَئِيرِهِ
ويُثْني عليه شادِنٌ ببُغامهِ
وهذا لأهلِ النّطقِ شَرْعي ومذهَبي
فمَنْ لم يُطِعْني عَقَّ أمْرَ إمامِهِ
قصيدة يرومك والجوزاء دون مرامه لـ أَبو العَلاء المَعَرِي وهو من شعراء العصر العباسي تتكون من 74 بيت شعري .
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن [محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان] بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنور بن اسحم بن النعمان، ويقال له الساطع لجماله، ابن عديّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وتيم الله مجتمع تنوخ: من أهل معرة النعمان من بلاد الشام، كان غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم، عالما حاذقا بالنحو، جيد الشعر جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته وفضله ينطق بسجيته.
ولد بمعرة النعمان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واعتل بالجدري التي ذهب فيها بصره سنة سبع وستين وثلاثمائة وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة أقام ببغداد سنة وسبعة أشهر ثم رجع إلى بلده فأقام ولزم منزله إلى أن مات يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة في أيام القائم.
المصدر: معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب - ياقوت الحموي
أبو العَلاء المعريّ (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمدُ بن عبَد الله بن سُلَيمان القضاعي التَنوخي المَعِري، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، وغيرها من المدن الشامية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.
كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي" وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة"
وكتب إلى خاله أبي القاسم قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجعلني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد" وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"
عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.
وقد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف الدكتور طه حسين بعنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء".
المصدر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة - أبو العلاء المعري
بِعالِجٍ باتَ هَمُّ النَفسِ يَعتَلِجُ فهَل أَسيتَ لِعَينٍ حينَ تَختَلِجُ إِن بَش ...
دَعَوا وَما فيهِم زاكٍ وَلا أَحَدٌ يَخشى الإِلَهَ فَكانوا أَكلُباً نُبُحا وَهَل ...
لَعالَمِ العُلوِ فِعلٌ لاخَفاءَ بِهِ في عالَمِ الأَرضِ مِن وَحشٍ وَمِن أَنَسِ فَ ...
سَكَنتُ إِلى الدُنيا فَلَمّا عَرَفتُها تَمَنَّيتُ أَنّي لَستُ فيها بِساكِنِ وَما ...
عَجِبتُ لِلظَبي بانَت عَنهُ صاحِبَةٌ لاقَت جُنودَ مَنايا لا تُناخيها فَاِرتاعَ ي ...
الناسُ أَكثَرُ مِمّا أَنتَ مُلتَمِسٌ إِن لَم يُوازِركَ هَذا المُستَعانُ فَذا وَم ...